فصل: فصل في إكرام الضيف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في إكرام الضيف:

ومما حث الشارع عليه وهو من سنن المرسلين إكرام الضيف قال الله تعالى عن الخليل عليه السلام: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}.
ويذكر أنه كَانَ لا يأكل طعامه إلا مع ضيف وإن لَمْ يأته أحد خرج يلتمس ضيفَا وقال صلى الله عليه وسلم: «من كَانَ يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه». ورغب فيها صلى الله عليه وسلم وقال: «من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وقرى الضيف دخل الجنة».
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد بن عمرو رضي الله عنهما: «فإن لجسدك عليك حقَّا وإن لعينك عليك حقَّا وإن لزورك عليك حقَّا». والحديث رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود فأرسل إِلَى بعض نسائه فقالت: لا والذي بعثك بالحق مَا عندي إلا ماء ثم أرسل إِلَى الأخرى فقالت: مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق مَا عندي إلا ماء.
فقال: «من يضيف هذا الليلة رحمه الله». فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إِلَى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء فإذا أرادوا العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفا فأطفئي السراج ورأيه أنا نأكل.
وفي رواية فإذا أهوى ليأكل فقومي إِلَى السراج حتى تطفئيه قال: فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قَدْ عجب الله من صنيعكما بضيفكما». زاد فِي رواية فنزلت هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
وعن أبي شريح خويلد بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كَانَ يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كَانَ بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه». رواه مالك والبخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه». رواه أحمد ورواته ثقات والحاكم.
وعن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد فرحهم فلما انتهينا إِلَى القوم أوسعوا لنا فرحب بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لنا.
ثم نظر إلينا فقال: «من سيدكم وزعيمكم». فأشرنا جميع إِلَى المنذر بن عائد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهذا الأشج فكان أول يوم وضع عليه الاسم لضربة كَانَت فِي وجهه بحافر حمار». قلنا: نعم يا رسول الله فتخلف بعد القوم فعقل رواحلهم وضم متاعهم.
ثم أخرج عيبته فألقى عنه ثياب السفر ولبس من صالح ثيابه ثم أقبل إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم وَقَدْ بسط النبي صلى الله عليه وسلم رجله واتكأ فلما دنا مِنْه الأشج أوسع القوم له وقالوا: ها هنا يا أشج فقال النبي صلى الله عليه وسلم واستوى قاعدًا وقبض رجله: «ها هنا يا أشج». فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحب به وألطفه وسأله عن بلادهم وسمى لهم قرية الصفا والمشقر وغير ذلك من قرى هجر.
فقال: بأبي وأمي يا رسول الله لأنت أعلم بأسماء قرانا منا فقال: «إني وطئت بلادكم وفسح لي فيها» ثم أقبل على الأنصار فقال: «يا معشر الأنصار أكروما إخوانكم أشباهكم فِي الإسلام شيء بكم أشعارًا وأبشارًا أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا».
قال: فلما أصبحوا قال: «كيف رأيتم كرامة إخوانكم وضيافتهم إياكم». قالوا: خير إخوان ألانوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحوا يعلمونا كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم وفرح. رواه أحمد بإسناد صحيح.
وإكرام الضيف يكون بحسن استقباله ويقابله بوجه ويهش به ويبش ويرحب به ويؤهل ويظهر له من السرور مَا تطيب به نفسه ويطمئن به قلبه من حسن حديث مما يناسب حاله ومقامه وابتسام ومداعبة فِي حشمه واحترام وقديمًا قيل:
إِذَا الْمَرْءُ وَافَى مَنْزلاً لَكَ قَاصِدًا ** قَرَاكَ وَأَرْمَتْهُ لَدَيْكَ الْمَسَالِكُ

فَكُنْ بَاسِمًا فِي وَجْهِهِ مُتَهَلِّلاً ** وَقُلْ مَرْحَبًا أَهْلاً وَيَوْمٌ مُبَارَكُ

وَقَدِّمْ لَهُ مَا تَسْتَطِيعُ مِنَ الْقِرَا ** عَجُولاً وَلا تَبْخَلْ بِمَا هُوَ هَالِكُ

فَقَدْ قِيلَ بَيْتٌ سَالِفٌ مُتَقَدِّمٌ ** تَدَاوَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرُو وَمَالِكُ

بَشَاشَةُ وَجْهِ الْمَرْءِ خَيْرَ مِنْ الْقِرَا ** فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْتِي بِهِ وَهُوَ ضَاحِكُ

أَمِتْ ذِكْرَ مَعْرُوفٍ تُرِيدُ حَيَاتُهُ ** فَإِحْيَاؤُهُ حَقًّا أَمَانَةُ ذِكْرِهِ

وَصَغِّرْهُ يَعْظُمْ فِي النُّفُوسِ مَحَلُّهُ ** فَتَصْغِيرُهُ فِي النَّاسِ تَعْظِيمٌ قَدْرِهِ

آخر:
وَمَا لِي وَجْهٌ فِي اللِّئَامِ وَلا يَدٌ ** وَلَكِنَّ وَجْهِي لِلْكَرِيمِ عَرِيضُ

أَحِنُّ إِذَا لاقَيْتُهُمْ وَكَأَنَّنِي ** إِذَا أَنَا لاقَيْتَ اللَّئِيمَ مَرِيضُ

آخر:
وَمَا اكْتَسَبَ الْمَحَامِدَ طَالِبُوهَا ** بِمِثْلِ الْبِشْرِ وَالْوَجْهِ الطَّلِيقِ

آخر:
وَمَا اكْتَسَبَ الْمَعَالِي طَالِبُوهَا ** بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ الْجَلِيلُ

آخر:
أَخُو الْبِشْرِ مَحْمُودٌ على حُسْنِ بِشْرِهِ ** وَلَنْ يَعْدِمِ الْبَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا

آخر:
يَقُولُونَ لِي هَلْ لِلْمَكَارِمِ وَالْعُلَى ** قَوَامٌ فَفِيهِ لَوْ عَلِمَتَ دَوَامُهَا

فَقُلْتُ لَهُمْ قَوْلاً صَحِيحًا مُحَقَّقًا ** نَعَمْ طَاعَةُ الرَّحْمَنِ فَهِي قَوَامُهَا

آخر:
لا يُدْرِكُ الْمَجْدُ مَنْ لَمْ يُخْلِصِ الْعَمَلا ** لِخَالِقِ ذِي الْفَضْل الَّذِي شَمَلا

وَلا يَنَالُ الْعُلا إِلا الَّذِي شَرُفَتْ ** أَخْلاقُهُ وَلأَمْرِ اللهِ مُمْتَثِلا

آخر:
جِيء بِالسَّمَاحِ إِذَا مَا جِئْتَ فِي غَرَض ** فَفِي الْعُبُوسِ لَدَى الْحَاجَاتِ تَصْعِيبُ

سَمَاحَةُ الْمَرْءِ تُنْبِي عَنْ فَضِيلَتِهِ ** فَلا يَكُنْ لَكَ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ تَقْطِيبُ

آخر:
أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ ** وَيُخْصِبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ

وَمَا الْخَصْبِ لِلأَضْيَافِ أَنْ يَكْثُرَ الْقُرَى ** وَلَكِنَّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ

ولا يريه من فقره وسوء حاله وقلة ذات اليد فإنه ربما ضاق بذلك ذرعًا ويتنكد عليه المقام ويتكدر لتلك الشكوى ثم إن كَانَ عاقلاً صاحب دين رَقَّ له ورحمة وقدم مَا عنده له وانعكست المسألة فأصبح ضيفًا عليه صاحب المنزل بعد أن كَانَ ضيفًا له.
وإن كَانَ جاهلاً غير دين شتمك وذمك وخرج من عندك ساخطًا يقول: مَا لا ينبغي وينسب إليك أشياء ربما أنك بريء مِنْهَا ولا تحتقر مَا عندك بل قدم له مَا تيسر من الطعام والشراب كما هي طريقة السلف الصالح رضي الله عنهم فإنهم كَانَوا يقدمون للضيف ولو كَانَ شيئا يسيرًا ويقولون: هو أحسن من العدم.
وَقَدْ دخل ضيف على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقدم له نصف رغيف ونصف خيارة وقال له: كل فإن الحلال فِي هذا الزمان لا يحتمل السرف. وأخرج سلمان رضي الله عنه إِلَى ضيف خبزًا وملحًا وقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت لك. وقال إبراهيم النخعي رضي الله عنه: إن الإنسان لا يبخل بما تيسر ظانًا أنه لا يليق بضيفه وأنها لا تتم الضيافة به وأنه لا يذكر معه بخير فخير له أن يقال: جاد بما لديه. من أن يقال فيه: أغلق بابه وغيب وجهه عن ضيف نزل به.
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه دخل عليه نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزًا وخلاً فقال: كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم الإدام الخل». إنه هلاك بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر مَا فِي بيته أن يقدمه إليهم وهلاك بالقوم أن يحتقروا مَا قدم إليهم وفي رواية: كفى بالمرء شرًا أن يحتقر مَا قدم إليهم. وفي رواية: كفى بالمرء شرًا أن يحتقر مَا قدم إليه.
ولا ينبغي أن يستأثر بخير مَا عنده من البر واللحم والسمن والعسل والفاكهة ونحو ذلك ويقدم لضيفه الرديء والجاف والناشف أو مَا يكرهه هو وأهله من رديء الطعام والشراب ولا يجب عليه إنزال الضيف فِي بيته لما فيه من الحرج والمشقة إلا أن لا يجد الضيف مسجدًا ولا رباطًا ولا محلا فيه ولا يخاف مِنْه ضررًا على نفسه أو ماله أو أهله فليلزم إنزاله فِي بيته للضرورة فإن خاف فلا يلزمه.
ويجوز للضيف الشرب من كوز صاحب البيت والاتكاء على وسادة موضوعة وقضاء حاجته فِي الصهروج أو الكنيف من غير استئذان بالفظ لأنه مأذون فيه عرفَا كقرع الباب عليه هذا إذ كَانَ قريبًا من محل الضيف وإلا فلابد من تنبيه.
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ ** يُلاقِي كَمَا لاقَى مُجِيرُ أُمُّ عَامِرِ

سَقَاهَا وَرَوَّاهَا فَلَمَّا تَضَلَّعَتْ ** فَرَتْهُ بِأَنْيَابٍ لَهَا وَأَظَافِرِ

فَقُلْ لِذَوِي الْمَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ ** يُوَصِّلُ مَعْرُوفًا إِلَى غَيْرِ شَاكِر

والله أعلم وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه وسلم.

.فصل فيما ينبغي على المضيف والضيف:

وينبغي أن يخرج مع الضيف إذا خرج ويدخل معه إذ دخل ويحفظ له دابته ومتاعه ويقضي له حاجته ويحمل معه مَا يشريه لنفسه ويسعى فِي تسهيل الطريق له مَا أمكن من مساعدته على رخصة أمتعته وجواز سفر ونحوه.
وينبغي للضيف أن يكون خفيف النفس لطيفًا يفهم بالإشارة، يباشر أعماله بنفسه ولا يكلف مضيفه ويشغله عن شئونه ولا يكلفه فوق طاقته ولا يتأفف ويتكره من طعام قدم إليه ولا يترفع عن مكان أعد له وأنزل فيه ولا يعيب شيئًا مما يراه ويغض بصره ويكف سمعه ولا يتجسس أخبار أهل البيت ولا يتحكم بالحاشية ولأطفال والخدم.
ولا يطيل الإقامة حتى يحرج صاحب المنزل كما يفعله الثقلاء ولا يقول إلا خيرًا ولا يفعل إلا فعل الكرام الذين يشكرون الصنيع ويكافئون على الإحسان وعَلَى المضيف أن يحتسب الأجر من الله على فعله المعروف ويغتنم مثل هذه الأعمال ولا يأل جهدًا فِي اصطناع المعروف مهما أمكنه ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صناع المعروف تقي مصارع السوء». وقال علي رضي الله عنه: لا يزهدك فِي المعروف كفر من كفره فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر وقال الشاعر:
مَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ لا يَعْدَمُ جَوَازِيَهُ ** لا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسُ

آخر:
إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكَ إِحْسَانٌ تَجُودُ بِهِ ** فَجُدْ بِجَاهِكَ إِنَّ الْجَاهَ إِحْسَانُ

آخر:
وَمَا نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ قَدْ صَنَعْتُهَا ** إِلَى غَيْرِ ذِي شُكْرٍ بِمَانَعَتِي أُخْرَى

سَآتِي جَمِيلاً مَا حَيَيْتُ فَإِنَّنِي ** إِذَا لَمْ أُفِدْ شُكْرًا أَفَدْتُ بِهِ أَجْرَا

قالوا: وينبغي لمن قدر إسدائه للمعروف أن يعجله حذرًا من فواته ويبادر به خيفة عجزه ويتحرى الأخيار الكرام كما يتحرى لزراعته الرياض الطيبة وليحذر من بذر المعروف باللئام الأنذال فإنهم كالأرض السبخة تمرر الماء العذب وتفسد البذر ولا تأمن مِنْهُمْ أن ينالك جزاء إحسانك إليهم سوء وقديمًا قيل:
وَلا تَصْطَنِعْ إِلا الْكِرَامَ فَإِنَّهُمْ ** يُجَازُونَ بِالنَّعْمَاءِ مَنْ كَانَ منْعِمَا

وَمَنْ يَتَّخِذْ عِنْدَ اللِّئَامِ صَنِيعَةً ** يَظَلُّ على آثَارِهَا مُتَنَدِّمَا

آخر:
إِذَا شِئْتَ أَنْ تُعْطِي الأُمُورَ حُقُوقِهَا ** وَتُوقِعَ حكْمَ الْعَدْلِ أَحَْسَن مَوْقِعِهِ

فَلا تَصْنَعِ الْمَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ ** فَظُلْمُكَ وَضْعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ

آخر:
لَيْسَ الْكَرِيمُ الَّذِي يُعْطِي عَطِيَّتَهُ ** عَنِ الثَّنَاءِ وَإِنْ أَغْلَى بِهِ الثَّمَنَا

إِنَّ الْكَرِيمُ الَّذِي يُعْطَى عَطِيَّتَهُ ** يَقْصُدْ رِضَى رَبِّهِ لا يَبْتَغِي ثَمَنَا

وَلا يُرِيدُ بِبَذْلِ الْعُرْفِ مُحْمَدَةً ** وَلا يَمُنُّ إِذَا مَا قَلَّدَ الْمِنَنَا

آخر:
كَمْ طَامِعَ بِالثَّنَا مَنْ غَيْر بَذْلِ يَدٍ ** وَمُشْتَهٍ حَمْدَهُ لَكِنْ بِمَجَّانِ

وَالنَّاسُ أَكْيَسُ مِنْ أَنْ يَحْمَدُوا رَجُلاً ** حَتَّى يَرَوْا عِنْدَهُ آثَارَ إِحْسَانِ

آخر:
إِذَا كُنْتُمُو لِلنَّاسِ فِي الأَرْضِ قَادَةً ** فَسُوسُوا كَرَامَ النَّاسِ بِالْحلم وَالْعَدْلِ

وَسُوسُوا لِئَامُ النَّاسِ بِالذُّلِّ وَحْدَهُ ** صَرِيحًا فَإِنَّ الذُّلَّ أَصْلَحُ لِلنَّذْلِ

آخر:
أَمَرُّ وَأَمْضَى مِنْ سُمُومِ الأَرَاقَمَ ** وَأَوْجَعُ مِنْ ضَرْبِ السُّيُوفِ الصَّوَارِمِ

وُقُوفُ فَتَىً حُرِّ تَقِيٍّ مُهَذَّبٍ ** عَلَى بَابِ نَذْلٍ لارْتِيَادِ الْمَطَاعِمِ

أَلا إِنَّ قَصْدَ الْحُرِّ لِلنَّذْل هُجْنَةٌ ** عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ مُلْكَ الأَعَاجِمِ

آخر:
مَتَى تَحْمَدْ صَدِيقَ السُّوءِ فَاعْلَمْ ** بِأَنَّكَ بَعْدَ ُمَحْمَدَةٍ تَذُمُّهْ

كَطِفْلٍ رَاقَةُ تَرْقِيشُ صِلّ ** فَلَمَّا مَسَّهُ أَرَادَهُ سُمَّهْ

آخر:
مَتَى تُسْدِ مَعْرُوفًا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ** رُزئْتَ وَلَمْ تَظْفُرْ بِحَمْدِ وَلا أَجْرِ

آخر:
مَدَحْتُكُمْ طَعَمًا فِيمَا أَؤمِّلُهُ ** فَلَمْ أَنَلْ غَيْرَ حَظَّ الإِثْمِ وَالتَّعَبِ

إِنْ لَمْ تَكُنْ صِلَةٌ مِنْكُمْ لِذِي أَدَبٍ ** فَأُجْرَةُ الْخَطِّ أَوْ كَفَّارَةُ الْكَذِبِ

آخر:
وَاخْشَ الأَذَى عِنْدَ إِكْرَامِ اللَّئِيمِ كَمَا ** تَخْشَى الأَذَى إِنْ أَهَنْتَ الْحُرَّ ذَا النُّبل

وقال آخر:
وَمَنْ يَجْعَلِ الضِّرِغَامِ لِلصَّيْدِ بَازَهُ ** تَصَيَّدُه الضِّرْغَامُ فِيمَا تَصَيَّدَا

وَمَا قَتَلَ الأَحْرَارَ كَالْعَفْوُ عَنْهُمْ ** وَمَنْ لَكَ بِالْحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ الْيَدَا

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَّكْتَهُ ** وَإِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا

فَوَضْعُ النِّدَا فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ باِلْعُلا ** مُضِر كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَا

آخر:
إِذَا افْتَقَرَ الْكَرِيمَ فَمِلْ إِلَيْهِ ** فَشَمُّ الْوَرْدِ بَعْدَ الْقَطْفِ عَادَهْ

وَإِنْ أَثْرَى اللَّئِيمُ فَصُدَّ عَنْهُ ** فَبَيْتُ الْمَاءِ تُفْسِدُهُ الزِّيَادَهْ

آخر:
إِذَا مَا أَتَيْنَاهُ فِي حَاجَةٍ ** رَفَعْنَا الرِّقَاعَ لَهُ بالْقَصَبْ

لَهُ حَاجِبٌ دُونَهُ حَاجِبُ ** وَحَاجِبُ حَاجِبِهِ يَحْتَجِبْ

النَّاس بِالنَّاسِ مَا دَامَ الْحَيَاةُ بِهِمْ ** وَالسَّعْدُ لا شَكَّ تَارَاتٌ وَتَارَاتٌ

وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَيْنَ الْوَرَى رَجُلٌ ** تُقْضَى على يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ

لا تَمْنَعَنَّ يَدَ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَحَدٍ ** مَا دُمْتَ مُقْتَدِرًا فَالسَّعْدُ تَارَاتُ

وَاشْكُرْ فَضَائِلَ صُنْعِ اللهِ إِذْ جُعِلَتْ ** إِلَيْكَ لا لَكَ عِنْدَ النَّاسِ حَاجَاتُ

قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ ** وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ

ولا يهمله ثقة مِنْه بظن القدرة عليه فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندمًا وكم من معول على مكنة فأورثت خجلاً كما قيل:
مَا زِلْتَ أَسْمَعُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ خَجَلٍ ** حَتَّى ابْتُلِيتُ فَكُنْتُ الْوَاثِقَ الْخَجِلا

ولو فطن لنوائب دهره وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه مدخورة ومغارمه محبورة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه». وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح». أي التعجيل وقال بعضهم: من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها.
جُودُ الكريم إذا مَا كَانَ عَن عِدَةٍ ** وَقَدْ تَأَخَّرَ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الْكَدَرِ

إِنَّ السَّحَائِبَ لا تُجْدِي بِوَارِقُهَا ** نَفْعًا إِذَا هِيَ لَمْ تُمْطِحر على الأَثَرِ

يَا دَوْحَةَ الْجُودِ لا عَتْبٌ على رَجُلٍ ** يَهُزُّهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الثَّمَرِ

إِنَّ الْعَطِيَّةَ رُبَّمَا أَزى بِهَا ** عِنْدَ الَّذِي تُقْضَى لَهُ تَطْوِيلهَا

فَإِذَا ضَمِنْتَ لِصَاحِبٍ لَكَ حَاجَةً ** فَاعْلَمْ بِأَنَّ تَمَامَهَا تَعْجِيلُهَا

آخر:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا ** فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ

وَلا تَغْفَلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا ** فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ

آخر:
أَحْسِنْ إِذَا كَانَ إِمْكَانٌ وَمَقْدِرَةٌ ** فَلَنْ يَدُومَ على الإِحْسَانِ إِمْكَانُ

فعَلَى الإنسان العاقل أن يساعد أخاه المسلم على فعل معروف أو دفع ملمة بماله وجاهه ولا يقتدي بمن لا خير فيه لا فِي جاه ولا مال يهمه إلا نفسه فقط قال الشاعر:
إِذَا كُنْتَ لا تُرْجَى لِدَفْعِ مُلِمَّةِ ** وَلَمْ يَكُ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَكَ مَوْضِعُ

وَلا أَنْتَ ذُو جَاهٍ يُعَاشِ بِرَئْيِهِ ** وَلا أَنْتَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَشْفَعُ

فَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا وَمَوْتُكَ وَاحِدُ ** وَعُودُ خِلالٍ مِنْ حَيَاتِكَ أَنْفَعُ

وليحرص فاعل المعروف على ضيف أو غيره على مجانبة الامتنان وترك الإعجاب بفعله لما فِي من إسقاط الشكر وإحباط الأجر فإنه قَدْ روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر». ثم تلا صلى الله عليه وسلم آية البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} فالمان بالمعروف والإحسان غير محمود وفي ذلك يقول الشاعر:
إِذَا الْجُودُ لَمْ يُرْزَقْ خَلاصًا مِن الأَذَى ** فَلا الْحَمْدُ مَكْسُوبًا وَلا الْمَال بَاقِيَا

وقال العباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال تعجيله وتصغيره وستره فإذا عجلته هنأته وإذا صغرته عظمته وإذا سترته تممته على أن ستر المعروف من أقوى أسباب ظهوره وأبلغ دواعي نشره لما جلبت عليه النفوس من إظهار مَا خفي وإعلان مَا كتم قال الشاعر:
خَلٌّ إِذَا جِئْتَهُ يَوْمًا لِتَسْأَلُهُ ** أَعْطَاكَ مَا مَلَكَتْ كَفَّاهُ وَاعْتَذَرَا

يُخْفِي صَنَائِعُهُ وَاللهُ يَعْلَمُهَا ** إِنَّ الْجَمِيلَ إِذَا أَخْفَيْتُهُ ظَهَرَا

آخر:
لا تَسْأَلِ النَّاسَ وَالأَيَّامُ عَنْ خَبَرٍ ** هَمَا يَبُثَّانِكَ الأَخْبَارُ تَطْفِيلا

وَلا تُعَاتِبْ على نَقْصِ الطِّبَاعِ أَخَا ** فَإِنَّ بَدْرَ السَّمَا لَمْ يَعْطِ تَكْمِيلا

إِذَا الْمَرْءُ أَبْدَى الْخَيْرَ مُكْتَتِمًا لَهُ ** فَلا بُدَّ أَنَّ الْخَيْرَ يَوْمًا سَيَظْهَرُ

وَيكْسَى رِدَاءً بِالَّذِي هُوَ عَامِلٌ ** كَمَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ التَّقِيُّ الْمُشَهَّرُ

آخر:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ** وَإِنْ خَالََهَا تَخْفَى على النَّاسِ تُعْلَم

اللهم هب لنا ما وهبته لأوليائك وتوفنا وأنت راض عنا وَقَدْ قبلت اليسير منا واجعلنا يا مولانا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.